يقول
شيخ الإسلام رحمه الله في (ص:359): (والمقصود: أن هنا قولين متطرفين -يعني: أن كلاً منهما على طرف- قول من يقول: الإسلام مجرد الكلمة فقط، والأعمال الظاهرة ليست داخلة في مسمى الاسم، وقول من يقول: مسمى الإسلام والإيمان واحد، فهما مترادفان، وكلاهما قول ضعيف مخالف لحديث جبريل وسائر أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم).إذاً: هذان القولان ضعيفان، وهما: قول من فهم ذلك من كلام السلف، فيجعل الإسلام، هو الكلمة فقط، أو الإقرار باللسان، ولا يجعل الأعمال الظاهرة داخلة فيه، وهذا قول شاذ، فعنده أن إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان هي من الإيمان، وأما الإسلام فهو شهادة أن لا إله إلا الله على ما فهم من كلام
الزهري ، أو كلام
ابن أبي ذئب أو غيره من السلف، وهذا خطأ.والقول الثاني: إن الإسلام والإيمان شيء واحد أينما وردا، والمقصود منهما واحد، وهذا أيضاً خطأ.والقول الصحيح: هو القول بالتلازم بينهما، وأن المعنى يختلف فيما بينهما بحسب الإفراد والاقتران كما بين الشيخ رحمه الله تعالى بعد ذلك ورجح وهو -كما ذكرنا- مختصر من كلام
شيخ الإسلام رحمه الله تعالى هنا.فالشيخ رحمه الله ذكر اختلاف الأسماء بحسب الدلالة والاقتران، ثم عقب ذلك بإيضاح المثال الذي تقدم ذكره وهو: أن الإسلام والإيمان مثلهما كمثل الشهادتين، فلا تغني إحداهما عن الأخرى إذا اقترنتا، وأينما ذكرت إحداهما دخلت فيها الأخرى، ومثل أيضاً بالنبي والرسول، والتمثيل بالشهادتين أوضح وأبعد عن الخلاف.فقد قلنا: إن العبد المؤمن إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله؛ فمعنى ذلك أنه مقر بأن محمداً رسول الله، فكذلك إذا قال العبد: أنا مسلم، فمعنى ذلك: أنه مقر بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وليس معنى ذلك أنه ملتزم بالأعمال والأركان الظاهرة فقط.وإذا قال: أنا مؤمن؛ فمعنى ذلك أنه يؤدي أيضاً الأركان الظاهرة العملية، وهي التي فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بالإسلام.فتبين لنا من ذلك صحة ووضوح ما سبق وهو: أن هذه الثلاثة الأسماء مثل الدوائر، فدائرة الإحسان أوسع الدوائر جميعاً؛ لأنها تشمل الأركان، والواجبات، والنوافل المستحبة، ثم دائرة الإيمان، وهي أقل منها؛ لأنها لا يدخل فيها الكمالات والمستحبات التي تدخل في دائرة الإحسان، ثم دائرة الإسلام، وهي: الإتيان بالأركان الظاهرة.فالعبد إن أتى بالأركان الظاهرة -ولا بد في ذلك من أصل الإيمان الباطن -فهو مسلم، لكن لا يكون مؤمناً حتى يأتي بالواجبات، ويدع المحرمات، فإن تعدى ذلك- أي: أتى بالواجبات مع الأركان، وترك المحرمات مع ترك الشرك- إلى الإتيان بالنوافل والمستحبات، ومراقبة الله تبارك وتعالى في السر والعلن، والخشوع، والإخبات، والإنابة.. وغير ذلك من الأعمال فهو في مرتبة أهل الإحسان.نسأل الله الكريم، رب العرش العظيم أن يجعلنا وإياكم من المحسنين، إنه سميع مجيب.والحمد لله رب العالمين.